أسواق عالمية
العالم يترقب صفقة ديون لمنع كارثة اقتصادية .. 3.4 تريليون دولار مدفوعات الدول النامية لدينها

مسألة “حياة أو دين”، هذا ما قاله ذراع الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بطريقته الخاصة عندما وضع “تدابير عاجلة ولازمة” لدرء كارثة الديون التي تلوح في أفق الدول النامية التي تعاني التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا.
وتواجه الدول النامية الآن جدارا من سداد خدمة الدين طوال عقد العشرينية. وفي 2020 و2021 وحدهما، قدرت المبالغ المسددة من ديونها الخارجية العامة بنحو 3.4 تريليون دولار – تراوح بين تريليوني دولار و2.3 تريليون دولار في الدول النامية المرتفعة الدخل وما بين 666 مليار و1.06 تريليون دولار في الدول المتوسطة الدخل والمنخفضة الدخل.
وحددت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” 20 دولة في العالم صعدت فيها نسبة خدمة دين الخارجي العام إلى معدلات عليا، مقارنة بالإيرادات الحكومية. وقد ظهرت ضمن الدول العشرين هذه أربع دول عربية وثلاث أوروبية.
وأصدرت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، أمس، تقريرا مختصرا من 16 صفحة، يدعو إلى “إبرام صفقة ديون عالمية للعالم النامي”، مشددة على “الحاجة الحيوية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لتوفير تخفيف كبير لديون الدول النامية وتحرير الموارد التي تشتد الحاجة إليها للتصدي للوباء المستعر”.
وثمنت المنظمة إعلان قادة مجموعة العشرين في 15 نيسان (أبريل) الجاري تعليق مدفوعات خدمة الدين لـ73 دولة من أفقر الدول في الفترة من أيار (مايو) المقبل إلى نهاية هذا العام. غير أنها قالت “هناك حاجة ماسة لشطب ديون الدول النامية في جميع المجالات”. وأشارت إلى أن “شطب تريليون دولار سيكون أقرب إلى الرقم اللازم لمنع وقوع كارثة اقتصادية في جميع أنحاء العالم النامي”.
وتقول المنظمة إنه في عامي 2020 و2021 وحدهما، سترتفع مدفوعات الدول النامية لدينها الخارجي العام إلى ما بين 2.6 و3.4 تريليون دولار، وأن الدعوات إلى التضامن الدولي لم تقدم حتى الآن سوى القليل من الدعم الملموس. وقالت، “هناك حاجة إلى تأسيس هيئة دولية للإشراف على برامج الدول النامية لتخفيف عبء الديون”.
قبل ثلاثة أسابيع من آذار (مارس)، دعت “أونكتاد” إلى إنشاء ما أسمته “حزمة أزمة فيروس كورونا” بقيمة 2.5 تريليون دولار للدول النامية، قائلة إنه حتى قبل أزمة كورونا، واجه عديد من الدول النامية حصصا مرتفعة وصاعدة من إيراداتها الحكومية التي تذهب إلى سداد الديون، ما يضغط على نفقاتها الصحية والاجتماعية.
وقال الأمين العام لـ”أونكتاد”، موخيسا كيتويي، “ينبغي على المجتمع الدولي أن يتخذ على وجه السرعة مزيدا من الخطوات لتخفيف الضغوط المالية المتزايدة التي تفرضها مدفوعات الديون على الدول النامية في الوقت الذي تتصدى فيه للصدمة الاقتصادية التي تسببها جائحة فيروس كورونا.
ويصيب وباء فيروس كورونا الاقتصادات النامية في وقت كانت تعانيه بالفعل منذ أعوام عديدة من أعباء ديون لا يمكن تحملها، فضلا عن ارتفاع الاحتياجات الصحية والاقتصادية.
وبين الدول العربية، احتلت جيبوتي المركز الأول عالميا في نسبة خدمة دينها الخارجي العام – المضمون من الحكومة – إلى الإيرادات الحكومية. وارتفعت النسبة من مجرد 9 في المائة عام 2012 إلى 62 في المائة في 2018 (آخر إحصائية متاحة)، متفوقة بذلك على فنزويلا التي احتلت المركز الثاني. بمعنى آخر أن كل 100 دولار يدخل كإيرادات حكومية إلى جيبوتي، يذهب 62 دولارا إلى خدمة الدين الخارجي.
وتأتي بعدها لبنان الذي احتل المرتبة الثانية عربيا والثالثة عالميا، حيث اتسمت نسبة خدمة دينها الخارجي العام بثبات مستديم، أو من 39.5 في المائة في 2012 إلى 41 في المائة في 2018.
وجاءت موريتانيا في المركز الثالث عربيا -12 عالميا- حيث تضاعفت، أو تقريبا، نسبة خدمة دينها بين عامي 2012 و2018، أو من 9.5 في المائة إلى 21 في المائة.
غير أن تونس – الرابعة عربيا والثامنة عشرة عالميا – تمكنت من تخفيض نسبة خدمة دينها الخارجي بمقدار 1.5 نقطة مئوية بين 2012 و2018، أو من نحو 19.5 في المائة إلى 18 في المائة.
عالميا، احتلت فنزويلا، التي تعاني عقوبات دولية، ولا سيما من ضغط أقصى تمارسه الولايات المتحدة، المركز الثاني 45 في المائة لخدمة دينها الخارجي في 2018، مقابل مجرد 7 في المائة عام 2018.
وظهرت في القائمة ثلاث دول أوروبية، هي: مونتينيجرو في المركز السادس، بخدمة دين بلغت 30.5 في المائة في 2018، وبيلاروسيا في المركز الـ15 بخدمة دين 19 في المائة، وألبانيا في المركز 19 بنحو 18 في المائة.
وجاءت سريلانكا في المركز الرابع بخدمة دين بلغت 38.5 في المائة في 2018، ثم أنجولا – المركز الخامس بنحو 31 في المائة في 2018 -، غانا في المركز السابع بنحو 26 في المائة، بعدها كوستاريكا بنحو 25.5 في المائة، لاوس بـ23 في المائة، الجابون بـ22.9 في المائة، منغوليا في المرتبة الـ11 عالميا بنحو 22.5 في المائة.
وخفضت جامايكا، المرتبة الـ13 عالميا في نسبة خدمة دينها من نحو 29 في المائة في 2012 إلى 21 في المائة في 2018. وتأتي بعدها المالديف بـ20.1 في المائة، ثم إثيوبيا في المركز الـ16 بنحو 19 في المائة، بعدها السلفادور بـ18.5 في المائة، والدومينيكان في المركز العشرين بـ17 في المائة.
وقال، ريتشارد كوزول رايت، مدير قسم العولمة في “أونكتاد” الذي أصدر التقرير، إن الاضطرابات المالية الناجمة عن أزمة كورونا أدت إلى تدفقات قياسية من رؤوس أموال الحوافظ المالية من الاقتصادات الناشئة وإلى انخفاض حاد في قيمة العملة في الدول النامية، ما جعل خدمة ديونها أكثر مشقة.
وأضاف، “إن الدعوات الأخيرة إلى التضامن الدولي تشير إلى نقطة في الاتجاه الصحيح، لكنها لم تقدم حتى الآن سوى القليل من الدعم الملموس للدول النامية وهي تعالج الآثار المباشرة للوباء وتداعياته الاقتصادية”.
وحددت “أونكتاد” ثلاث خطوات رئيسة لترجمة الدعوات إلى أفعال، أولها “التجميد المؤقت التلقائي” التي ستوفر متنفسا للاقتصاد الكلي لجميع الدول النامية المنكوبة بالأزمات التي تطلب تحملا لتحرير الموارد، المخصصة عادة لخدمة الديون السيادية الخارجية.
وتقول هذه الخطوة إن من شأن عمليات التجميد، إذا كانت طويلة وشاملة بما فيه الكفاية، أن تيسر الاستجابة الفعالة لصدمة فيروس كورونا من خلال زيادة الإنفاق الصحي والاجتماعي في المستقبل القريب، وأن تسمح بالانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد الأزمة على طول مسارات النمو المستدام والمالية والميزان التجاري.
أما الخطوة الثانية فتمثلت في “برامج تخفيف عبء الديون وإعادة هيكلتها”. ومن شأن هذه البرامج أن تكفل استخدام “فسحة للتنفس” تكتسبها من إطار الخطوة الأولى لإعادة تقييم القدرة على تحمل ديون الدول النامية على المدى الطويل، على أساس كل حالة على حدة.
في 13 نيسان (أبريل) الجاري، ألغى صندوق النقد الدولي تسديد الديون المستحقة له من قبل 25 اقتصادا ناميا الأكثر فقرا للأشهر الستة المقبلة. ويقدر إلغاء هذا الدين بنحو 215 مليون دولار. وفي 15 نيسان (أبريل)، أعلن قادة مجموعة العشرين تعليق مدفوعات خدمة الدين لـ73 دولة من أفقر الدول في الفترة من أيار (مايو) المقبل إلى نهاية هذا العام.
ويقول التقرير، مع ذلك، هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ تدابير أكثر منهجية وشفافية وتنسيقا من أجل شطب ديون الدول النامية في جميع المجالات، وأشار إلى أن شطب تريليون دولار سيكون أقرب إلى الرقم اللازم لمنع وقوع كارثة اقتصادية في جميع أنحاء العالم النامي.
وثالث خطوة، “هيئة دولية للديون في الدول النامية”. للمضي قدما بالخطوتين 1 و2 إلى الأمام، تقترح “أونكتاد” إنشاء “هيئة دولية لديون الدول النامية (إنترناشونال ديفولوبنك كونتري ديبت أثوريتي) للإشراف على تنفيذ الدول النامية لديونها وإرساء الأسس المؤسسية والتنظيمية لإطار دولي أكثر دواما لتوجيه إعادة هيكلة الديون السيادية في المستقبل.
وحسب رؤية “أونكتاد”، يمكن أن يتبع إنشاء الهيئة تأسيس منظمة دولية مستقلة عن طريق معاهدة دولية بين الدول المعنية. ومن الأمور الأساسية لأي اتفاق دولي من هذا القبيل الإسراع في إنشاء هيئة استشارية من الخبراء تكون مستقلة تماما عن أي مصالح دائنة أو مدينة.